أكتب كما لم أكتب من قبل لأني هذه المرة سأمتلك الجرأة لأخط حدث بالفعل.
انا في مواجهة الكلمات، لعلها تنويه عن أحداث حدثت مؤخراً، لكن الأحداث لا تنتهي بانتهائها الزمني فهي تنتهي عندما نريد نحن ذلك فقط.
ربما الحديث عنها لا يعطيها تلك الأهمية في تأثرنا بها ولكن تكمن أهميتها بما احدثته داخلنا _نحن ولا أحد غيرنا_ و لهذا فانا مؤمنة أشد الايمان بأن أشد أوجاعنا وأفراحنا هي التي لا يمكن الثرثرة عنها.
كم استفزتني رواية أحلام مستغانمي " ذاكرة الجسد " لأكتب، فبحديثها عن الذاكرة والنبش في الذكريات استفز ما بي من ألم ليثور علي رغبةً منه في تخليد ذكره.
لم يشأ ان يمر بسلام كغيره، أبى ان يتركني بلا ذكريات !
في كل محاولة لتجاهله والعبث به يعتصر قلبي ويزيد الغصة ليحفر مكانه في فترة من عمري ليصبح كعنوان لطريق لا يمكن أن تذكر تلك الفترة بدون أن يكون هو أول ما يقفز الى ذهني مبتسماً معلناً انسانيتي !!
ما أوجع الذكريات الأليمة التي تعيدنا للحدث كما لو انه مازال يحدث، يترائى رؤية العين ولكن في المخيلة.
فهو يتجسد ويتوحد ويؤلم ألمه الأول بدون رحمة وبدون أدنى اعتبار لمرور الزمن !
دائماً اكثر الذكريات ألماً هي أكثر الذكريات التي شعرنا فيها بالظلم او بتآمر القدر علينا.
ولكن ماذا عن الذكريات التي لم يظلمنا فيها أحد بل ظلمنا انفسنا؟
ماذا عن الذكريات التي تشكلت من حماقاتنا؟
ماذا عن الألم النابع من مطاردة الحقيقة بالوهم، النابع من وأد الواقع بقيم لا تصلح أن تكون الا في عالم آخر لم يكتب له الخلق بعد؟
ماذا عن ألم لا يتجســـــــــــد الا بالكلمــــــــــــــات ؟؟!!
ما أشد ذلك الواقع الذي يأبى اعطائنا فترة وجيزة لرثاء انفسنا و الحزن قليلاً.
كم انا ع قدر من الغباء في محاولتي لتخليد رموز اكتسبت قيمتها من ضعفي،
وكم هي ايضاً ع قدر اكبر من الغباء لكي يحطموا صورهم و رموزهم بالتلاعب و الاستهانة بذلك الضعف.
لعله لم يكن ضعف، لعله كان انبهار ، وبتعدد الرموز وتشابهها اندثرت حدة الانبهار لتخلق رمز جديد وهو " انا "، انهيار تلك الرموز أكد صوابي، أكد اني لا احتاج ان اصبح بمثل أعمارهم لكي أجني مجد زائف، اكد اني في مثل ذلك العمر استطيع ان اكون " انا فقط " ، ألا يعد اكتشافي لذاتي رمـــــــــــز !!
من عاداتي لاتخلص من لحظات الانكسار هي النوم بشراهة لعجزي عن التفرد بتلك اللحظات الخاصة ...
لكني لن انام ولن اعجز بل ساتوقف لأحترم حزني، لأحترم آدميتي، لأحترم لحظة ضعف ستمنحني القوة فيما بعد.
أكتب لأرتــــاح، أكتب لأفرغ مني، فالكتابة تهون الجرح، تضعنا في مواجهة مع أنفسنا، نتحول من كاتب الى قارئ
فيتحول معه ذلك الألم الى فخر باخراج كل ذلك القدر من الواقعية.
فدائماً اكثر لحظات الألم هي أصدق لحظات التعبير !!