الاثنين، 16 سبتمبر 2013

الحكاية علامة شفاء الراوي *

جملة قالها علاء خالد ممكن تكون مفتاح للوصول لبعض تصالح او سلوى اوحتى نسيان ، ممكن عشان لما اقلب الصفحة ما احسش بغليان خبي الحكاية وانها لسه ماخلصتش وان لسه في حاجات لازم تتقال ، جملة ممكن تخفف حدة الصمت !

في اعتاب المراحل الجديدة بعد الأحداث الأخيرة المتسارعة وفترة الهدنة المؤقتة لإستكمال امور كارثية محددة بزمن وقتي يخلي الإنحناء امام شدة الظروف حتمية لا مفر منها ، ويخلي الوهن نوع آخر من القوة لتعين على تحمل استنزاف الخوف البطيء .

ما بين  إن كل يوم بأخرج لنفسي بنظرية جديدة من التفسير بتدور حوالين فكرة ثابتة ، بلاقي ان الحياة بتتسرب من ايدي عشان تحطني على عتبة جديدة قربت ومعاها "الوحدة" ، كوني انسانة برتبط باللي حواليا المقربين بشكل يبدو للآخر فاتر بس من جوايا بتتحكم فيه ادق التفاصيل الصغيرة اللي بتربطني بيهم بشكل خفي داخلي بيخلي ان افظع حاجة ممكن تحصلي فيهم هو اني افقدهم .

اخويا سافر ، اختي هتسافر كليتها وتيجي في الأجازات ، شعور في الداخل بتأجج واحتقان على السطح بارد ، بارد حد الجفاء
أنا لسه في مكاني مفيش غير خسارات عمالة تأكل مني وتسيبلي ألم هش بيوجع لإستمراره ، كل الكبار حواليا بيعجزوا بسرعة مخيفة تخلي حمل مسئولية كبيرة يقرب مني يحسسني بإرتباك وخوف ، وأنا برضه لسه في مكاني الثابت وفكرتي الثابتة !

كل اللي قدرت أعمله اني اكون رد فعل واتحمل وطأة أمور قدرية مفجعة حصلت وراء بعضها بسرعة خلت إدراكها وقتها من الأمور المستحيلة ، اني ألاقي بس وقت اني اقعد افكر في ماهيتها كان مستحيل يساوي نفس إحساس المرارة لما ادركتها بعد كده في فترة الهدنة !

" الكلام اللي مش هيتقال"

اخويا لما سافر بسرعة ما كانش فيه وقت نقف على التفاصيل ، حتى لدرجة ان انت مش عايز تسيب لنفسك حاجة جواك توجعك من حاجة زي كده ، خليت كل حاجة تبقى عادي ، حتى الدموع مسحت عنيا بس ما نزلتش بحرارة تكفي لعنوان عودة " اللقا نصيب " !

حاجة جوايا بتغلي طول الوقت مع كل تفصيلة نقصاه واللي للأسف ان كل تفصيلة نقصاه بتحصل كل يوم ، يعني مثلا بنأكل كل يوم ، بنشوف بعض كل يوم ، بنتكلم كل يوم ، كل واحد فينا في الآخر بيدخل اوضته وينام ، هو غايب عن كل ده خلى كل حاجة تفقد بهجتها ، بإحساس الفقد وغياب بهجة اللمة والأمان من اننا كلنا مع بعض .

الكلام اللي مش هيتقال اللي بيفضل جوانا يحكي معانا احنا بس ونرد عليه ويبكينا ويفرحنا وبعدين يقولنا يالا قوم نام او يخلينا لأيام ما نامش .
كلام زي اني لما اكلمه واسمع صوته من الناحية التانية ما بقولش غير ازيك عامل ايه خد بالك من نفسك وبعد كده صمت ، صمت ، صمت وبعدين انتِ ازيك عاملة ايه ؟ خدي بالك من مذاكرتك ، اديني ماما
كل مرة كده ، كده وبس!

" الفكرة الثابتة"

الفكرة الثابتة اللي مفيش متغير حواليها غير جوا دماغك انت بس ، تلف حواليها من كذا طريق وترجعلها ، اللي بالنسبالك ما بتتغيرش لأن مفيش متغير حواليها فعلي ، وكون ان الكلام ما بيتقالش فهو أقل من انه يكون حدث ، بس هتتفاجئ ان الفكرة لقت طريقها طول الوقت ومشت فيه لدرجة انها وصلت للنهاية ، لنهاية طريقها بالرغم من انها ( أصغر من انها تكون حدث ظاهري) ! 

فيه خسارات بالمنطق تحس انها كده أفضل لأنها لو استمرت كانت الخسارة هتبقى أفدح ، بس مش هتقدر تتخلص من أثرها لما كل مرة تعرف ان خسارتك ليها امر حتمي، خسرت لأنك ضعيف وقليل الحيلة ، ودي واحدة من لحظات الضعف اللي هتفضل طول حياتك تكره حياتك بسببها وتحسسك بالعجز.

" الفقد "

شعور الفقد جربته بس من باب جحيمي شوية ، في الغالب شعور الفقد الأكثر إيلام هو فقدهم بالموت ، فقدهم للأبد.
أنا كمان فقدتهم بس ما كنتش عارفة إيه مصيرهم ، يمكن بالموت المصير معروف لكن انك تحمّل النهاية بسيناريوهات كلها كارثية  وقوع واحد فيهم هيوصل لتدمير نهائي ومش عارف امتى كمان!

الفقد الأولي ، الخلاص كان بيقرب وبيبعد فجأة بسد حالك السواد ، أمل بيقرب في حركة مد وجزر رهيبة
ولما بيطبق السواد ما بيبقاش في اي متنفس حتى لتصور الخلاص !

بالتجربة دي انا مستعدة ادفع عمري كله وما اتعرضش لإحتمالية تكراره تاني  ، هو ما كانش عجز بس لأ ده عجز مفهوش أي رحمة الخلاص ليك !
ساعات وطأة الحدث وشدته بتصيب الإنسان بعاهة تبرر العجز ده ، لكن اللي حصلي ماحصلش فيه كده ولا كان عندي أي مبرر منطقي يقنعني اني ازاي عايشة ومكملة ؟!


  " ماما مؤخرا بقت تقولي حاول تتجاوزي احساس المأساة وانتِ هتتعافي "

في وقت امتحان النسا كان كل امنيتي انه ينتهي عشان احس بشوية متنفس للراحة ، ضغط المذاكرة كان عامل كبير انه يؤجج التفكير اكتر ما هو ما بينتهيش ،لما كنت برد عليها كنت بقولها لو انا ما ادركتش حقيقة الأمر دلوقتي يبقى بغمي عنيّا .

في الحقيقة انا اللي مؤمنة بيه ان درجة احساسنا لأن فيه مأساة من عدمها هو درجة الوعي ناحيتها موجودة ولا لأ ، كل لما زاد الوعي والإدراك ليها كل لما شفناها بواقعيتها واثرها المصاحب كمان ، احساس مرهق بس لا يخلو من الصدق والإتساق مع النفس !

صادفتني رغبات كتيرة حادة لدرجة التطرف زي الإنتحار ، القدرة اني أذي حد ، عبثية وفوضى الحياة لدرجة انها غير محكومة بعدالة إلهية ، فقدت الإيمان بتلك العدالة عشان قلة الحيلة كانت اكبر من اني اقدر اتحملها !

الحاجة الوحيدة اللي حصنتني من كل ده هو " الصمت " انها لم تتعدى كونها افكار ، والحاجة التانية " الخوف "
 غياب الإرادة الجادة اني اعمل كده فعليا ، وكل مرة كنت بأسخط على نفسي أكتر وأدخل في دوامة القهر أكتر وأكتر .

الحاجة الوحيدة اللي اكتشفتها فيّا وكنت أجهلها تماما وكنت مفكرة نفسي بمارسها اصلا " هي القدرة على الكراهية " في وقت كنت في حاجة رهيبة اني اكره عشان امتلك القدرة اني أذي ،  مقدرتش اكره ما وصلتش لدرجة الكراهية الكافية اللي تخليني أعمل كده .

الكراهية إحساس بارد ، بيؤلم في لحظة وبيسيب أثر قاتل وبيرجع يدمر صاحبه بالبطيء ، لكن أنا طول الوقت كنت في فوران غضب ، كنت برجع بعد كده اندم أو أغير وجهة التفكير لما اهدأ!   

في الأخير عشان لما ارجع اقرأ ده تاني مرة بعد مرة
لقيت انه من البائس جدا اننا ندخر الحكاية لبعد كده ، بعد لما بيعدي الوقت بيخبو الصخب وتفضل الحكاية باردة ، فاترة ، فيها لمسة شاعرية ولمسة شجن ، بس لا تمتلك الأثر الأول اللي حفرته فينا وقت حدوثها . الإشارة ليها بعد كده كحدث عرضي بيخذل صاحبها زي ما الدنيا كل يوم بتأدبه بلطمة وراء التانية .