كان اصراري للذهاب معه لتوديعه لأرى المطار ! هذه المرة الأولى التي سيتاح لي رؤية هذا المكان بعيدا عن الأفلام وبقايا الحكايات المقتطعة من لحظات وداع وعناق وبكاء وامنيات برحلات طيبة وعودة سالمة.
عندما توجه إلي بالحديث انه ليس من الضروري ان اذهب فالأمر لن يخرج عن هذه الإجراءات الرسمية كما انه لن يفوتني الكثير، فهو لن يذرف دمعة واحدة حتى لو بكينا مطولا وتشبثنا به لقد أصبح الآن قويا كفاية ليتدبر امره بمفرده.
أجبته بضحكة طفولية وإلتماعة في العينين انني لست ذاهبة من أجله بل من أجل رؤية المطار ولن اسمح له بان يفوّت علي تلك الفرصة .
طوال الطريق تحاشيت النظر إليه وهو يجلس في الكرسي الأمامي قبالتي فلقد خزنت له صورة وسيمة كفاية تعينني على استرجاع ملامحه وذلك الطول المبالغ فيه ، ففي المقارنة بيننا أصِل عنده لمستوى صدره تماما .
حوّلت كامل انتباهي للطريق المجاور فلقد أخبرني "خالي" ان الطريق بعيدة وسيتطلب الأمر حوالي الساعتين لنصل ، لذلك لم احاول ان اشعر بالضجر او الترقب الذي يقتل الوقت مللا ، فأعطيت المشاهد وقتها الكافي لإختزانها في ذاكرتي البصرية !
رأيت ذلك البيت الذي يشبه بيت الأمير في فيلم الانيميشن Beauty and the beast واخبرت أختي سريعا لتنظر مستخدمة تعبير Fairy tale ! لم تنتبه لما قلت أو بالأحرى لم تفهم ما عنيته إلى أن رأت البيت فرددت ما قلته مرة أخرى استيعابا لما قلت Fairy tale !
تلاه تلك الكافيتيريا المطلية باللون اللبني الداكن الذي أكرهه فهو يذكرني بغرف العمليات !
القصور المشيدة على مسافات تكاد تكون مقتربة من بعضها في ذلك الفراغ الشاسع وتلك المنطقة النائية جذبتني حدائقها المزينة بأشجار الورد ، فهي احدى امنياتي ان اسكن بيت مطلي بالأبيض وشبابيك زرقاء ومزين بأشجار ورد باللون الفوشيا !
مسافات اكبر واكبر من الفراغ لكن ليس هو بالصحراء عندما قطعناه أطلقت عليه " قطعة من اوروبا "
فهو عبارة عن حشائش صفراء على امتداد البصر اشبه باصفرار القمح متهيأ لوقت الحصاد ، وراءه تلك الأشجار الشبيهة بأشجار الكريسماس ولكن ليس بذلك اللون الأخضر المبلل بالندى بل اللون الأخضر الزيتوني ، وسماء تتدرج في درجات الأصفر والبرتقالي وقت الغروب.
ما رأيته هو لوحة زيتية لمنظر طبيعي حي موجود هنا ولست بحاجة لأتخيله بعد الان في مكان آخر بعيد لابد أن اذهب إليه بالطائرة !!
عندما وصلنا وجهتنا " المطار " بتلك المشاهد المطبوعة في النفس متأثرة بالأفلام لمشاهد ملحمية ولحظات وداع حميمية ومشاعر يمتزج فيها الحزن بالدعاء ، تبددت تلك الصورة منذ اللحظة الأولى فكانت الصدمة ببرودة المكان وضحكات تتوزع بلا مقابل واستعجال في كل المكان.
كان المطار يعكس صورة روّاده التي لم اخطئ في عينيهم حلم عدم العودة من جديد !