السبت، 25 يونيو 2011

فهو يهاب المجهول-قصة قصيرة


(( احساس انك مخنوق، محدود، عايش جوا قالب، بتتنفس ببطء وبعمق ))
هكذا قرأت تلك العبارات التي سجلها ع احد اوراقه قبل ان يخلد للنوم واستطاعت ان تقرأها قبل ان يخفيها كعادته _ ربما لم يلحظها لأنها كانت ورقة صغيرة بالية_ حمدت الله كثيراً انها وجدت فضيلة وحيدة لعادة استيقاظها مبكراً، فهي منذ ان بدأ يتغير وتغير معه كل شيء اعتادت عليه فيه. بدأت هي الاخرى في التغيير فأصبح يصيبها القلق المستمر و الخوف عليه. فهي تنام وقت صحوه وتظل تتأمله في نومه ومع تغيير عاداته اصبح لا ينام الا فجراً اذاً فيستوجب عليها الاستيقاظ لترعاه عن بُعد لأنه يأبى ان تشاركه وقت انفراده بنفسه.

نظرت لتلك العبارات بريبة وحزن عميق، ليته يحدثني عما يشعر به فاخفف عنه، ليته يخبرني ماذا حدث له مؤخراً دفعه لكل هذا الغموض و الابتعاد ؟!  كم من الحيرة يتثاقل عليها لكنها لا تجد اي اجابة تشفي ما بها، فدائماً ما يكون رده (( هو مجرد وقت وهيعدي وساعتها هستريح باذن الله)) . . .

اصبح شارداً وصامتاً يتامل بعينيه كما لو انه ينظر لمجهول ما ! هو لم يكن هكذا من قبل فكان طبيعي في كل شيء، كان حديثه يخلق جو من الالفة فلديه من فيض الحديث الممتع الذي لا تكل من سماعه مراراً وتكراراً عن احداثه اليومية، ذكريات الطفولة ، خططه المستقبلية.
يدخل غرفة مكتبه اغلب الوقت ويطلب منها الا تزعجه والا تقلق عليه فهو يشعر بالراحة هكذا و يردد عبارته (( هو مجرد وقت وهيعدي وساعتها هستريح باذن الله))
ان شاء الله هكذا تجيبه وتعود لغرفتها بخيبة امل.
تتوالى الايام ولا شيء يفعله غير الانفراد في غرفة مكتبه و التدوين فهو يسجل كل ما يشعر به كل ما يجول بخاطره لايترك صغيرة ولا كبيرة الا ويذكرها هي تعلم ذلك جيداً لأنها تعرفه جيداً وتعرف انه اذا عجز عن البوح هم بالكتابة.

في احد الايام دخل ليخلد لنومه متأخراً كعادته الجديدة ولكنها وجدته يرتجف ويهذي (( اني انتظرك فلتأتِ الآن لا تطيل عذابي، فلتأتِ الآن والا لا تظل تطاردني وترسل لي بعلامات، انا مهيأ الآن فلتأتِ ! ))
احتضنته بقوة وبخوف شديد حاولت طمأنته الى ان استغرق في النوم. ادركت ان زوجها يهاب الموت !!
هذا ما غيره وهذا هو ما ينتظره كل ليلة الى ان يغلبه النعاس وهذا هو ما يرجوه من العلامات. 
تُرى اي اشارات يبعث بها الموت اليك؟ وهل من الممكن ان تكون حقيقة وهو ادرى مني بذلك ؟؟ لعلها تكون آخر لحظاتي معه حقاً.

سيل من الافكار السوداء جاءتها بثوب الحداد اجتاحت رأسها في بضع لحظات. انقبض قلبها خوفاً عليه.
الموت ! اي مجهول انت تطاردنا ولا ندري لك هوية ولا ماهية. اني دائماً اؤمن ان العبرة ليست في الموت فكلنا متساوون امامه لكننا لسنا متساوون في حيواتنا .
تُرى ما يخيفنا منه؟ هل هو في حد ذاته ام انتظاره ام هو المجهول !
ترتقب انفاسه و تجده يتنفس في هدوء
تحدثه : سأنتظرك حتى تستيقظ لأرى هل الموت يبعث لك باشارات بالفعل !.

لا تنتظــــر احــــــد - قصة قصيرة

انها الساعة الثامنة و النصف لقد حان الوقت ليذهب فلا داعي لأن يتأخر فليذهب مبكراً قليلاً عن الموعد الذي حدده لها
فتلك اللحظة التي يهيأ نفسه من اجلها طوال الثلاثة شهور الأخيرة، فليسبقها الان فلطالما كانت تسبقه دائماً خطوة او لطالما شعر هو دائماً بذلك!. تعمد عند اختيار المكان ان يختاره بعيداً عن اي مكان تقابلا فيه حتى ولو لبعض الوقت محاولاً بذلك ان يهرب من اي مكان تلاحقه فيه عيناها التي تربكه بنظراتها. طوال الطريق يحاول الهروب من استرجاع اي ذكرى كانت لهما معاً او اي شيء ربطهما سوياً يوماً ما، فليكون اليوم هو يوم انتصاره وليحتفل بعد ذلك.

وصل الى المكان قبل الموعد بحوالي الساعة ، اختار طاولة بجوار احدى النوافذ المطلة على الشارع ليراها عند قدومها فيهيئ ما بداخله من حوار اعده مسبقاً ليخبرها به ويرحل محققاً انتصاره الذي يتمناه. سيتركها لتقتلها علامات الاستفهام خاصةً (لماذا؟). سيقتلها بلغز الرحيل، سيكسر فيها تلك الجرأة المستفزة ليس فقط في ان تستشف ما يدور بداخله ولكن ايضاً و تخبره (لماذا؟)!. سينهي تسلطها للأبد، سينهي تعوده عليها فلقد تدرب على ذلك جيداً الثلاثة شهور الأخيرة عندما اختفى عنها و اكتشف انه يستطيع البٌعد عنها و الوقت بالطبع كفيل بأن ينهي البقية.
سأهرب من مطاردة عينيها و سأتجنب الرد على تساؤلاتها ســ ......
 يغرق في تخيلاته واعداد حواره لكنه يتراجع في تفكيره ويرد بينه وبين نفسه ولما لا ؟ سأخبرها بكامل الحقيقة تلك هي فرصتي لأثبت لها اني اقوى مما تتخيل يسترجع حديثه معها عندما اخبرته انها ترى ان القوي ليس من يستطيع اخفاء مخاوفه بل هو مَن يستطيع البوح بما تعود كتمانه خاصةً مشاعره !!
فهي ترى ان القوة في البوح بأدق المشاعر التي تنتابنا فدائما ما يٌقدِر الناس القوة بأن يحتفظوا بكامل بنيتهم الجسدية القوية وان يخفوا ما يستطيعوا كتمانه، فلكم يتلونون لاخفاء مشاعر الغضب ليبدون عقلاء ومشاعر الحزن ليبدون سعداء حتى الحب يفضلون عليه الخوض في غمار الواقعية هروباً من القيود التي وٌضِعت لطمث اكثر المشاعر حرية وسعادة وجمال! 

اذاً سأعترف لها اني اكرهها حين تصيب واكرهها اكثر حين تعتذر اعتذار حنون عند الخطأ. سأخبرها اني اكره فلسفتها التي اٌصِر دائماً على خطأها بل سأزيد الاعتراف صراحة واخبرها اني لم افهمها يوماً ولم احاول فهمها بل كان يستهويني الاعتراض لا اكثر ولا اقل!
سأخبرها ان الحياة وضعتني انا وهي كأبطال لقصة بمحض الصدفة ولم يكن لنا فيها اي اختيار ولكنها تجبرنا ان ننهيها لأنها تكره النهايات المفتوحة والسعيدة منها ايضاً !!
وها انا سأنهيها، فانا انسان طالما كرهت ضعفي امامك ولابد ان اتحرر من قيودك اتحرر من تبعيتي لكِ، سأنهيها لأكسب نفسي وحسبي ذلك فهو خير انتصار !

قاطعه ذلك الصوت : عفواً سيدي ولكن أتريد شيء اخر؟
رد عليه في فتور : ليس الآن ربما بعد قليل
ينظر في ساعته في دهشة لقد قاربت الثانية عشر لقد تأخرت كثيراً عن الموعد المحدد. اصابه التوتر و القلق الذي يتزايد مع تحرك عقرب الثواني من ثانية لأخرى.
يقفز الى ذهنه قصيدة " في الانتظار " للشاعر محمود درويش " في الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة" ويظل يرددها الى ان انقبض قلبه عند "ربما ماتت .. فالموت يعشق فجأة مثلي .. و ان الموت مثلي لا يحب الانتظار " .
يزيح ذلك الهاجس من ذهنه و يضحك مازحاً ألم تجد غير ذلك اليوم لتموت فيه؟!
لا ربما ادركت ما اريد ان اخبرها اياه فرفضت اعطائي الفرصة الأخيرة لأثبت لها اني قوي او لعلها هربت من مطاردة شبح سؤال (لماذا؟!)