الخميس، 23 أغسطس 2018

يوم الأرض


دائماً أعود إلى "التغريبة" التي كتبها سميح القاسم إلى محمود درويش في رسائلهم المتبادلة والتي أصبح الجميع حينها ينتظر قرائتها ونشرها. أعود إليها بدئاً من الاسم وإحساس المنفى والإغتراب. في أي بلد زاروها يحملون معهم وطنهم فلكل مدينة وجهان ولابد أن يكون أحدهم هو وجه لحيفا. "لباريس وجهان / وجه لحيفا / لتونس وجهان / وجه لحيفا / لبيروت وجهان / وجه لحيفا / للندن وجهان / وجه لحيفا " .. " ونحن غريبان / ونحن غريبان / ونحن غريبان ".
 يحملان الوطن ويحملان المكان الذي لك ويضرب جذورك في 
الأرض وحين يغيب أينما وطأت وأينما أقمت فلا أرض لك ولا جذور ولا أنت مقيم مهما سكنت. تحمل ذكرياتك معك فكل إيماءة تذكرك ببيتك بأهلك بقصة عشتها بمكان صنعت فيه الذكريات وحين لا تستطيع العودة تظل في هروب دائم، اغتراب في الأرض واغتراب عن النفس.
 درويش يقرئ سميح السلام إلى بلدتهم البروة فيرد سميح: " ولو خبطت نفسي متلبساً بالنظر صوبها فإن عقرباً صفراء هائلة تلسعني في القلب مباشرة وبلا رحمة وتنغص علي رحلتي" .. حلم العودة وحلم الأرض فالمكان هو المكيدة مهما تنصلنا من سيطرته علينا ستظل الغربة تسري وتسري لا يبددها إلا العودة. أن لنا الأرض وهذا مكاننا فلا نعرف أنفسنا إلا من خلاله مهما حاولنا الإدعاء. " يفرقنا العالم العربي / ويجمعنا العالم الأجنبي / ونبقى أجانب في العالمين / ويبقى الرحيل ..... "

عن بسكاليا وإيملي بولان وفرانسيس ها

بينما أستمع إلى البلاي ليست أفاجئ ببسكاليا راجح داوود تقتحم الترتيب وتلعب كنت لأضحك : وأنا مالي يا لمبي هي اللي اشتغلت لوحدها ولكني لم أستمر مطولاً لأنها سحبتني إلى عالمها ككل مرة. تلك المقطوعة تجعلني أستعيد شعوري الممزق بين عالمين، عالم الحنين لكل ماهو أصيل وقديم وتم حجبه في ذاكرتنا بأنه بسيط وطيب وعالم الحالي عالم الحركة والاستمرارية والمضي قدماً إلى الأمام وإلى الأمام وإلى الأمام. عالم الحلم والنظرة المتعجلة لما سيحدث غداً وعالم الغد الذي خاب فيه جل آمالنا. هل كان علينا أن نصطدم بكل تلك الحقائق دفعة واحدة؟ هل كان علينا أن نحمل كل هذا الغضب؟
جميع أفلامي المفضلة تنتمي أيضاً لكلا العالمين. في عالم الشر أبحث عن الشخصية التي لم تتحول إلى واحد منهم أو من امتلك هذا القلب الذي لم يمت كلياً ويحمل ذكرياته معه منغلق عليها لئلا ترديه نقطة ضعفه قتيلا أو تكون هي من فعلت ذلك أو أبحث عن من امتلك المنطق لتبرير أفعاله فعلى الأقل جاوب على اسئلتي أخيراً. وبين شخصيتي "إميلي بولان" و"فرانسيس ها" أعرف جيداً لماذا أحببتهم بشدة، الخفة والثقل كلا منهما يكتسي برداء الأخر فلا الخفة محتملة ولا الثقل أيضاً. إميلي التي امتلكت الشغف والطفولة والبراءة ولكن لم يمنعاها من تجريب خيبة الأمل وفرانسيس طحنها الواقع بردائته وصوره المكررة الرديئة ومحاولتها لتجد شغفها ولتعرف ماذا تريد فتنطلق كحمقاء في نظر من يعرفها إلى أن تثبت نفسها أخيراً ولا تفقد أصالتها. لالا لاند وهل هو غير هذين العالمين ؟ الصور البراقة هوليوود المعلبة البحث عن كل ماهو سريع وجاذب المبهر في طلته وحلم بين شخصين شديد الكلاسيكية والرومانسية يضغط عليهم الواقع أوالتمسك بالحلم، كل منهم يمد اليد للآخر بأنك ستكون يوما ما تريد. كل منهم يمنح الأمان لشريكه بإدخاله عالم الأحلام ومساحة الأمان لكن لا تسير الأمور كما مقدر لها لأن لابد من دفع ضريبة الحلم في زمن عز فيه الأحلام في حياة قاتلة ضاغطة لكل نهاية مثالية أو إنه لا توجد نهاية مثالية عليك الاستيقاظ لأن هذا الحلم سيقبع في عالم الحنين، سيكون عليك استعادته كذكرى جميلة وككل الأوقات الجميلة ستكون ذكرى مفجرة للحنين والإمتنان.
أعظم الحفلات هي التي حضرتها وحدي وبكيت فيها وحدي وخرجت أحمل قلب ممتلئ بخفة بعد أن تحرر قليلا من الثقل. أعظم الأفلام هي التي شاهدتها وحدي وبكيت فيها وحدي ولم اكن مضطرة لشرح لماذا أحببتها بشدة وأنني شاهدت نفسي على الشاشة وأني لست وحدي الآن فهناك من عايش هذا غيري.
تحمل في قلبك الحب والأمل ولكن تجد أنهم أصبحوا العبء في قلبك وتجاوروا مع القسوة واليأس وتمضي ملتمساً طريقاً باحثاً عن النور لعلك تنجو.
أتمنى عندما أذهب إلى النوم أخيراً أحمل تلك النظرة على وجه ايزاك في المشهد الأخير نهاية فيلم wild strawberries نظرة الرضا الأخيرة عن كل ما كان، لا يشوبه مسحة الأسى ولا تلك الغصة بأنه كان بوسع كل هذا ألا يحدث أبداً، كان بوسع هذا الألم ألا يكون.

الأحد، 8 أبريل 2018

وداعاً ريم بنا ..

"سافر وخدني معك بفطر على دُقة، بصبر على الجوع ما أصبر على الفرقة" ..
 يذكرني رحيلك يا ريم بتلك الأغنية كثيرا. تلك الأغنية التي حفرت مكانها في الذاكرة كشاهدة على وقت ولى وككل الأوقات الجميلة تنتهي، ككل الأوقات تنتهي. يذكرني رحيلك يا ريم بهذه الأغنية في تلك الحفلة التي كلما تذكرتها اسمع صوت الشاب الذي يجلس خلفي ينادي عليكي بأعلى صوته " بنحبك يا رييييييم " وتضحكين ونضحك جميعا. حضوري حفلتك في هذا الوقت كان ككل شيء جميل أخر يحدث حينما كان القلب مازال أخضر ويملك الحماسة لتحقيق ما ير
يد. فعلت كل ما في استطاعتي لاتمكن من الحضور واتمكن من المبيت واستطعت فعلا وحققت ما أريد.
 أذكر اندهاشي بحضورك القوي وصوتك الأقوى وامتلاكك مسرح المكتبة كنتي تملأينه وكنت منبهرة من هذا الحضور فمن يستطيع أن يملأ تلك السعة! أنتِ فعلتي وخطفتي قلوبنا وأبصارنا.
 كان كل شيء مكتمل كلوحة لا ينقصها شيء. لم يكن صوتك كأي غناء يتمايل معه الحضور كان صوتك تظاهرة نردد خلفها. كنتِ تدعونا لشيء آخر غير قضاء وقت لطيف كنتِ تأججين حماسة تشتعل وتشتعل وأجزم اني ابداً لم أكن مخطئة. فهناك ذلك الشاب بعد انتهاء الحفلة ليحتفي بك أشعل "شمروخ" داخل قاعة المكتبة لنجد الأمن يهرولوا مسرعين للسيطرة على الأمر. لم يكن احساسي كذب. أعطوكي علم فلسطين فأخذتيه بفخر شديد وتدثرتي به. كأنك تدثرين بالوطن، وهل الوطن غير هذا؟ رمزية بسيطة جسدتي بها كل ما نشعر به تجاه أوطاننا حتى وإن لفظتنا.
 أعود إلى أغنيتك يا ريم وقت كانت الحياة فعل انتظار لكل ما هو آتٍ بحماسة وإمكانية حدوثه ولكنه الآن وعندما وصلنا لزمن الانتظار لم نجد "من ينتظرنا على السفح ويدعونا لصلاة شكر لأننا وصلنا سالمين لا متفائلين ولا متشائمين". أتذكرك يا ريم ك اسم مرادف لفعل قاوم وأخبرك إنني مازلت مع كل رحيل امتلئ بالغضب أكثر من هذه الحياة التي تكسر الأقوياء واني مازلت احمل تلك الطفلة بداخلي التي لا تستطيع بعد أن تفهم كيف يموت أبطالها الخارقين.
 (6 ديسمبر 1966 - 24 مارس 2018)