الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

" لم نحلم بأشياء عصية "

مع البدايات نحتاج كثيرا لأن تُمزج بالحب لنتقوى به ونخطو عتبتها إلى ما هو بعدها ، يقيننا به يبلغ العنان ومع تكرار الخيبات والخذلان لا نلومه بل نظل نتشبث بأمل القرب والوصل ، كلما استحال علينا تمسُكنا به يشتد وفي الأخير نجدنا قطعنا شوطا كبيرا في الدرب ، ابتعدنا عن البدايات ودخلنا التجربة ، تم اختبارنا ، لا يهم ايا كانت النتيجة ولكن عبء التجربة لم يكن هين ، خضنا الدرب وحيدين وحينما ننظر إلى هذا الحب لا نجده حمانا مما نخاف ، لا نجدنا تقوينا به ، لا نجده رَبَت على اكتافنا حينما كان أقصى أمانينا كف تذوّب تلك القسوة وتخفف عبء الحِمل الثقيل.
خوض التجربة أكسبنا (قسوة) وأفضل تسميتها هكذا وليست (صلابة) لأن الوحدة التي أصبحنا عليها أصبحت توصمنا بالخذلان والهروب والإغتناء عن المقربين مقابل أنانيتنا طالما مازلنا ندعي آماننا في تلك الوحدة واكتفائنا بها. تلك (القسوة) لنشد على الآخرين عند اتهامهم لنا ، حتى لا نبرر وحدتنا ولا نعطيهم حتى سبب واحد بلومهم بأنهم لم يتفهمونا كفاية ولم يحتوا ألمنا ، كانوا بالفعل مقربين بالمعرفة _ بأنهم يعرفوا ثِقل التجربة_ لكنهم ليسوا مقربين بحمل العبء معنا.
تلك القسوة المكتسبة هي المفتاح الذي سيجعلنا نخوض التجارب التالية ونحن نثق في أنفسنا كفاية بأننا جديرين بخوض القادم. الذعر هو ما جعلنا نبحث عن الآخرين لتسكيننا ولكن عندما لم نجد السكن عندهم ووجدنا أنفسنا نسير نحو الهاوية بذلك الذعر من كابوسية النهايات وانه ليس هناك مفر مهما حاولنا و"طرقنا كل جدران الخزان"  مع تغيير المسار والانفراج الأخير فلن نجد أفضل من أنفسنا نسكن إليها ، سنجد أنه لم نكن بحاجة للأخرين فهم ليسوا بتلك الأهمية التي تصورناها يوما ما !

ربما ليس أشرس شيء ممكن أن تقابله هو شدة عليك تجاوزها وليس أمامك أي سبيل أو شيء تقدمه لتنفرج أو لتساعد على انفراجها ، ربما وقت الشدة ستتخيل ذلك انها الأسوأ لأن ما تحمله من خوف وصل بك حد ما تصفه الآية " حتى إذا بلغت القلوب الحناجر " هكذا كنت دائما ما أصف لأختي احساسي بأني أشعر بأن قلبي "محشور" في حلقي كما لو اني سألفظه ! حتى داهمتني في أقسى لحظات الإنتظار استدعاء تلك الآية فجأة حتى وجدتها تفصح بشكل بليغ عن لحظات ذعري تماما.
وقتها ظننت ان كل ما سيأتي بعد سيهوّن تلك اللحظات أو لأكون صادقة كفاية تلك السنة والنصف من الإنتظار المميت !
لكن الإحساس الذي تلاها وما اشعر به الآن هو حالة من الخواء التام ، أشبه بصوت الريح عندما تمر من انبوب مجوف فنسمع صفيرها المدوي ، لا شعور على الإطلاق ، ليس الأصعب ما ممرت به بل ما انا مقبلة عليه ، الأول عمل على تعطيل حياتي تماما من أجل شيء آخر أهم وأكبر ودفعني لأدفع ثمن لا يخص إخفاق أو فشل خاص بي ولكن هذا ما اقتضته الظروف ، لأجدني أواجه ما كان المفروض أواجهه لو تم ترتيب الأحداث التي كنت سأمر بها في سياقها الطبيعي ولم يتدخل القدر.

سأصنع نفسي ....
جملة عند كتابتها تمتلك من الإبداع والقوة والإقدام ما يجعلها جميلة في حد ذاتها ، فلأكررها مرة أخرة (سأصنع نفسي) ، تلك الجملة هي سبب ضياعي التام ، هي سبب مرحلة الضباب والوجوم التي أعيشها ، جملة أستطيع أن أضع أمامها كل أدوات الإستفهام وأقف عاجزة عن إجابتهم ، كيف سأصنع نفسي ؟ لماذا سأصنع نفسي ؟ متى سأصنع نفسي ؟ أين سأصنع نفسي ؟ ما الذي سأصنع نفسي منه ؟
قدر مخيف وانت تبدأ الخطوات الفعلية لتؤسس انت بعد خمس ، عشر ، عشرين والخ الخ من الأعوام ويقابله كل هذا الضياع أمام البدايات والإستقرار على ما تود كونه ، تعرف العديد من البدايات لكنك في كل واحدة منهم ينقصك شيء ما خارج عن طاقتك ، حتى في أكثر الأمور استقرار لديك أصبح ينقصك نفس الشغف والحماسة التي كنت تملكها بينك وبين نفسك.
تتسائل هل هذا الإنهاك الذي تشعر به الآن ناتج عن خوض تلك التجربة التي بالفعل غيرتك ، وفقدان هذا الشغف وضباب الرؤية هو نفسك الجديدة التي تلح بفرض نفسها وانت تكبح ظهورها بتمسكك بشغفك القديم حتى ان كنت لا تعرف هل هذا هو حقا ما تريده ام لا أو ليس هكذا تحديدا هل حقا ستحقق النجاح أو الإبداع فيه الذي كنت تريده أم لا !

صخب احتكاك قائمة ما تود فعله يتنافس بداخلك وتقابله انت بكل عدم الشعور الذي أصبحت عليه لا اريد الآن لا استطيع !

** العنوان مقتبس لـ محمود درويش / لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي

" ولنا أحلامنا الصغرى, كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة لم نحلم بأشياء عصية نحن أحياء وباقون وللحلم بقيةْ "