الأحد، 27 أبريل 2014

يوما ما سيجبرك الألم على وأد الأمل طوعاً

من أين لي التصالح والسكون ؟ من أين لي ذلك الخدر الذي يجمدك عما حولك مطمئنا ؟ من أين لي هدوء العابد الورع ؟ من أين لي تلذذ ذبذبة الأنين التي تشي بالتحرر من الألم ؟ من أين لي الخطوة القادمة ؟ التغيير القادم ؟ الحياة الجديدة ؟ من أين ؟
أنا مرهقة ومتعبة لم يعد لدي أي قدر ضئيل من الطاقة حتى للخطو خطوة واحدة. منهكة ومفرغة بالكامل فأنا كل ما أصبحته قفص صدري يعلو ويهبط كمؤشر للحياة الإكلينيكية. ودقات قلب عنيفة طوال الوقت أشعر بها في جدار ذلك القفص الصدري كما لو أنها تريد ان تتحرر منه بمنتهى العنف والقوة وانتزاعه انتزاعا، لكنه يمنعها فتتمرد علي _أنا الذي لا حول لي ولا قوة_ بإيلامي بين الحين والآخر ببث تياراتها العصبية شديدة الحدة تاركة إياي في حالة من الإنهيار الهستيري والإنهاك البدني التام !

أخذوا مني تلك الحياة وتلك القوة وبخجل شديد أقول تلك البهجة !
لم اطلب شيئا، ولكي لا أطلب شيئا قننت احتياجاتي حد الكفاف، بدون تذمر وبنوع من الإستعلاء لأحفظ بعض مما بقى لي من حس رفض الإهانة. أغلقت عليّ باب حجرتي على مدار العام، اكتفيت بالخروج منها للضرورة، رفضت الأكل معهم. أن اجلس مع من يسحق كرامتي على مائدة واحدة أي ذل ذلك ، ملوحا بأنه يطعمني جاهراً بها. فقدت شهيتي رويدا رويدا وفقدت القدرة على النوم ، أنا لا أنام بإغفاءة عميقة تريح جسدي بل يظل عقلي عاملا طوال الوقت مذكرا إياي بآلآمي الجسدية وإهانتي، واضعا كافة السيناريوهات والحوارات الممكنة لتأييد أفعالي مخلفا من وراء ذلك إحساس بالسخط الدائم وحالة من النكران وراء جدار الصمت الجافي هذا !
لو أردت النوم لأرتاح اعتمد على الدواء المهدئ ليريح بدني وادخل في تلك الإغفاءة التي يصرخ عقلي أغلب الوقت لينالها.
تنكرت لكل ما أريد حتى وصل الأمر لما احتاج، تقبلت ذلك التحول من الحد الأدنى إلى الأدنى منه إلى أن ضاقت علي الأرض بما رحبت وضاقت علي نفسي.
أنظر إلي الآن لا أعرف من أكون وما أستطيع فعله، فقدت القدرة على الصمود، تآكل جسدي، تآكلت روحي من قبل ذلك بزمنٍ كما لو أنني أحمل بقايا نخر عظام لعجوز !

كان علي أن اواجه المصير وحدي، فإن تمنعت في بذل شيء لأجله يستطيع شراءه، فهو سلبني في المقابل مالا أستطيع شراءه ولا يستطيع هو تعويضي إياه. سلبني عام كامل من عمري يتوقف عليه الكثير من مُضيّ قُدما وتحقيقي لذاتي وإكسابي تلك الهوية المستقلة التي طالما شغفت عمري المنصرم كله لبلوغي إياه.
اعتزلت الآخرين كلهم القريب والبعيد لم يعد منهم من يستطيع تسكيني، لم يعد هناك من يستطيع الفهم، لم يعد هناك من أستطيع أن أدين له أكثر بمعروف يبدد مزيد من الطاقة المهدورة بدءاً.
عزلتي عنهم لحمايتي لهم أكثر من تجنبي ذلاتهم. حمايتي لهم مني التي لم أعد أعرفها ولا أستطيع كبح طباعها الشرسة. حمايتي لهم من تحميلهم عبء لن أستطيع شكرهم عليه لأنه أبعد ما يكون عما أريد ولا لوم عليهم في ذلك.
عزلتي حتى لا أرى ذلك الإحساس _المميت لي_ بشفقتهم علي من مصيري، أنا المتخلفة عن ركبهم  ومهما حاولت وكابرت لأبدو متماسكة تماما مازالوا ينبشون بأظافرهم الحادة  ما أحاول إخفائه من كسرة في النفس لا أستطيع تحملها.

لم أستطع منع ذلك الشعور المؤلم بالخوف من عدم استطاعتي بالنجاح في المرة الثانية. لأول مرة أشعر بعجز تام خاص بي أنا وحدي في أمر متعلق بي. كنت أزعم دائما اني كفيلة بأمري وأستطيع تجاوز كل ما يتعلق بي بإرادتي الصلبة المعهودة ولكني كنت خائفة لدرجة الألم الذي فتك بي وانا على مشارف خوض التجربة الثانية. شعرت بنفاذ المحاولات مع فقدان القدرة التام !

مزيد من الشعور بالأسف وعدم الإنصاف، فلقد مررت بكل هذا في المرة الأولى ولم أدخر أي جهد في طاقتي. عملت أقصى ما في استطاعي حينها لإنجاح الأمر ولكن يبدو أن وقودي كان قد نفذ قبل خط النهاية بثلاثة بالمائة فقط !
وكوني لم أبذل مجهود اكبر ايضا هذه المرة حيث اني اتممت الأمر صحيحا في المرة الأولى ولكن خانني الحظ، أشعر بالغضب والإجهاد معاً.
عندما رأيت أغلب من معي في المرة الثانية يبدو الأمر لهم عادياً ولم يبذلوا مرة أخرى عناء لإنجاحه شعرت أني لا امتلك تلك الرفاهية التي يملكون. أنا في احتياج لإنجاحه اما هم فلا يعنيهم كثيرا إنجاحه أم لا، لأنهم لا ينقصهم شيء ولا حتى ذلك الشعور بالخجل من النفس !

تكرار نفس الأمر بنفس الطريقة وانتظار نتيجة مخالفة نوع من الهدر الأحمق للتوقعات وخيبة أمل ليست عن سوء حظ ولكن عن غباء صادر عنك. وهو لا يفعل شيء غير إرجاعنا آلآف المرات بنفس الطريقة إلى ما نحاول التحرر منه. كلما هممنا لتجاوزه مد يده طويلة ومعها لسانه ليكبلك بهما. في البدء كنا نواجه بدفع الأذى الآن لم يعد هناك ما نستطيع الدفع به فالتزمنا الصمت أما هو فمستمر في كربلائيته المريرة !
نحن تحولنا تماما لبقايا ليست مهزومة بالعكس منتصرة ولكن ما نفع النصر لشخص ميت لن يجدي معه شيء ليبعثه من جديد وأي نصر ذلك كل ما فعلته انك تحملت الضربات !

حاولت مهادنة الخيبة بتطلع بعيد لأمر يبعث في قلبي البهجة لأسكنه قليلا وأعينه على التحمل قليلا. حتى هذا الأمر بالرغم من فرضيته في عالم الأحلام إلى أن الواقع نهرني بشدة كما لو كنت أهنته، حتى انني لم أفعل اي شيء يذكر لجعله واقعا، كما لو ان محاولاتنا للتخفف يستشفها القدر أو ايا كان مسماه ويعاقبنا عليها بقسوة بدرس ليس له داعٍ من تذبذب الإيمان ! كما لو انه ليس سوء حظ أو عثرة بل ترصد، انك المقصود والمتتبع ، سننال منك حتما سننال منك عن آخرك !

بالأخير لا أتمنى شيء غير أن اخطو الخطوة القادمة، أن تكون هناك خطوة قادمة من الأساس وإن لم تكن فليس هناك داعِ لتحمل كل هذا الألم يا الله.